ذكرت صحيفة «إيل إيسبانيول» في عددها الصادر أول أمس الإثنين، عن انزعاج اسبانيا لمحاولة إحياء مشروع الربط القاري بين المستعمرة البريطانية جبل طارق المجاورة لإسبانيا والمغرب، خاصة وأن بوريس جونسون معجب كثيرًا بفكرة الجسور.
ففي العام الماضي أعلن أنه يدرس بجدية إمكانية بناء جسر يربط بين اسكتلندا وإيرلندا الشمالية، وهو مشروع قد يكلف 20 مليار جنيه. وبالطبع ـ تعلق الصحيفة نفسها ـ فإن فرص التعاون بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة في الوقت الحالي هي بالفعل جسر رمزي لتلاقي عدة شعوب من أجل الاستفادة من الطاقة الكهربائية، مما يسمح بمد خط كهربائي مع المملكة المتحدة دون استخدام البنية التحتية الموجودة في إسبانيا وفرنسا.
تحت عنوان «ربط المغرب مع جبل طارق عن طريق نفق تحت المضيق خطوة من شأنها الإضرار بإسبانيا» ذكّرت الصحيفة الإسبانية بأن مشروعًا مماثلاً كان مطروحًا بين الرباط ومدريد منذ 42 عامًا، حيث شُكّلتْ لجنة مشتركة لبحث أهمية توحيد القارتين، لكن الخطوة تعثرت وبقيت مجرد حلم. الآن، يمكن أن يتحقق بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث حوّلت الحكومة البريطانية ـ في هذا السياق الدولي الجديد ـ نحو المغرب وإفريقيا، مع تنامي الرغبة في تجسيد مشروع ربط مضيق جبل طارق مع شمال المغرب بجسر أو نفق يمكن أن يعبر البحر لنحو 20 كيلومترًا ويوحد البلدين.
صحيفة «إيل إسبانيول» لاحظت أيضا أنه مع تعاقب الحكومات ذات التوجهات المختلفة وما شهدته العلاقات الثنائية بين البلدين من تقلبات، لم يتضح مسار المشروع المذكور ولا آفاقه، وإن كان تبين بعد سنوات من الدراسات أن الأجدى ليس بناء جسر وإنما بناء نفقين بطول 28 كيلومترًا تحت سطح البحر بعمق 300 متر، وسيتم تغطية كل مسار في 30 دقيقة.
وأوضحت الصحيفة أنه كان هناك إيمان قوي بجدوى المشروع، لا سيما بعد أن أنشأ الإنكليز مع الفرنسيين «النفق الإنجليزي» عبر بحر المانش. ثم بدأت المرحلة التجريبية رقم صفر بالحفر تحت الأرض بطول 600 متر في قادس جنوب إسبانيا وما يزيد قليلًا عن 200 متر في المغرب، لكن سرعان ما توقفت الورشة بعد عامين، بسبب الفيضانات ومشكلات الصيانة.
ولاحظت أن هذا المشروع ما زال حتى الوقت الحاضر يثير الكثير من الأمور المجهولة: متى سيتم بناؤه وما هي تكلفته ومن سيشرف عليه؟ خاصة بعدما توفي مهندسه الإيطالي جيوفاني لومباردي الذي حفر أطول نفق للسكك الحديدية في العالم في جبال الألب السويسرية في عام 2017 عن عمر ناهز 91 عامًا. فيما يتعلق بطريقة تغطية مصاريف المشروع، طرحت عدة احتمالات، بما فيها إمكانية وضع ميزانية مشتركة بين البلدان الثلاثة المعنية: المغرب وإسبانيا وبريطانيا.
وتابعت «إيل إسبانيول» قائلة إنه بعد الإغلاق الكامل لملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت فكرة البريطانيين هي تولّي المشروع وتطويره وفقًا لاهتماماتهم، بناء على دراسة سابقة، حيث سيربط الخط أوروبا وإفريقيا من المدن الأقرب بين سبتة صخرة جبل طارق.
جسر معلق أم نفق بحري؟
كيف سيكون الربط؟ تجيب الصحيفة نقلاً عن مصادرها: يمكن أن يكون جسرًا معلقًا على دعامات ثابتة، أو جسرًا معلقًا على دعامات عائمة، أو نفقًا مغمورًا مدعومًا في قاع البحر، أو نفقًا عائمًا مغمورًا أو نفقًا محفورًا، اعتمادًا على التقنيات الحالية.في الوقت الحالي، لا يؤكد الطرفان رسميًّا خطة واقعية، لكن فكرة ذلك النفق أو الجسر بين المغرب وجبل طارق ظلّت موضوع مفاوضات منذ توقيع الاتفاقيات بين الرباط ولندن في 26 أكتوبر 2019 على الرغم من أن الحوار الاستراتيجي الأول بين البلدين يعود إلى 5 يوليوز 2018 في لندن، والذي نظمه بوريس جونسون، وزير الخارجية آنذاك، وحضره وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بهدف تعميق وتقوية التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية.
وكشفت الصحيفة الإسبانية أنه خلال توقيع اتفاقية الشراكة مع الرباط، لم يخف الوزير البريطاني كونور بيرنز نظرته لـ »ثالوث المغرب وإفريقيا والمملكة المتحدة ». وأكدت أنه إذا وافق الاتحاد الأوروبي على ما جرى الاتفاق عليه بين إسبانيا والمملكة المتحدة بشأن مستقبل جبل طارق داخل منطقة شنغن، بدون سياج، فإن النفق بالنسبة للبريطانيين يعني الحفاظ على خط مفتوح مع أوروبا والمنافسة المباشرة مع الجزيرة الخضراء. واستحضرت تصريحًا صحافيًا سبق للسفير البريطاني السابق في الرباط، توماس ريلي، أن أدلى به لها، حين قال: «أعتقد أن هناك العديد من الفرص في الربط بين المغرب وجبل طارق، ويجب الاستفادة منها. وأوضح الدبلوماسي أن قضية جبل طارق هي مسألة تخص المفاوضين الإسبان والبريطانيين، لكن، هناك بالفعل تعاون كبير بين المغرب وجبل طارق في مختلف المجالات».
واستطردت قائلاً: «قد يكون القرار الآن بيد المغرب، مع الأخذ في الاعتبار أنه خلال مطلع ديسمبر قام الرئيس الجديد للشركة الإسبانية لدراسات جبل طارق بزيارة ميدانية إلى مدينة طريفة، بهدف إعادة إطلاق فكرة المشروع الضخم».
في الموازاة مع ذلك، وبعيدًا عن الحلم بالنفق، يدرس المغرب والمملكة المتحدة إمكانية إنشاء طرق بحرية للركاب والبضائع، ورحلات جوية من شمال إفريقيا إلى جبل طارق. وعندما أغلقت الحكومة المغربية الحدود في 13 مارس بسبب كوفيد 19 أعادت الخطوط الجوية الملكية المغربية مئة من سكان جبل طارق إلى بلدهم الأصلي، وعرضت جمعية رجال الأعمال في جبل طارق والمغرب خدماتها للأشخاص الذين يحتاجون إلى المشورة أو المساعدة فيما يتعلق بالتأشيرة وجواز السفر والإجراءات الإدارية الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، نشأت بين الطرفين علاقات عمل فعالة، بغض النظر عن قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتشمل مجالات التعاون أيضًا اليد العاملة، فقد وقع البلدان اتفاقيات لتوظيف عمال مؤهلين. كما أن جبل طارق فضاء مميز يمكن أن تستفيد منه شركات الاستثمار والشركات المعفاة من الضرائب في قطاع التكنولوجيا.
وذكرت صحيفة «إيل إسبانيول» أن المغرب قدم للجالية اليهودية في جبل طارق التي تمثل حوالي 2 في المئة من سكان الصخرة، مزايا ضريبية لإنشاء شركاتهم في شمال البلاد، مثلما فعل مع يهود مدينتي سبتة ومليلية، حسب المصدر نفسه.